استراتيجية التعامل مع قضية تركستان الشرقية
استراتيجية التعامل مع قضية تركستان الشرقية
أ.د. سيف الدين عبد الفتاح
يأتي اهتمامنا بهذه القضية انطلاقا من أن فكرة الجامعية والتكاملية المطلوبة في الاهتمام بقضايا أمتنا إنما تشكل حقيقة هذه الأمة الجامعة في سياق هدف الاعتصام {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ومن ثم فإننا نجد أن قضية تركستان الشرقية، وإساءة الهند لمقام رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مرتبطان من زاوية غياب استراتيجية إسلامية لمواجهة مثل هذه القضايا المحورية والمهمة في عالم اليوم.
أولا. التعريف بالقضايا:
أ. قضية تركستان الشرقية:
يرصد محمد أمين نور محمد (الأويغوري) في كتابه "صراع الهوية السياسية في تركستان الشرقية تحديات الواقع وآفاق الدور"([1]) اضمحلال مظاهر هوية تركستان الشرقية في الآونة الأخيرة بتأثير من حملات الإبادة الجماعية الصينية التي استهدفت جميع مجالات عناصر الهوية الإسلامية، من لغة ودين ومعالم تاريخية وحضارية وفنون ثقافية، كما رصد الاختلال العريض الذي صنعته الصين في توازن مجتمع تركستان الشرقية والقيم المتداولة للشعوب الذي نتج عنه ظهور كثير من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والإنسانية، ولم تتوان السلطات الصينية عن تأسيس السجون المتطورة الحديثة والمعتقلات الجديدة والأخرى باسم "معسكرات التأهيل السياسي"، في أنحاء الإقليم وقامت بالاعتقالات الجماعية، وهي التي أثبتتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وأشار خبراء ومنظَّمات حقوقية إلى أنَّ نحو ثلاثة ملايين مسلم محتجزون في مراكز ومعسكرات لإعادة التأهيل السياسي في الإقليم، وحاولت السلطات الصينية أن تبررها بأنها قرار لأمن الإقليم واستقراه، استعراضا وضع أفغانستان الجارة، وقد وصل اضطهاد السلطات الصينية لمسلمي الأويغور إلى حدّ التدخل في حرية اختيار اللباس وأسلوب الحياة الفردية، والعلاقات الأسرية والاجتماعية وحرية التنقل والسفر واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تحولت حالتهم إلى سجن مفتوح في تركستان الشرقية؛ حيث يتعامل الحزب الشيوعي مع الشعب التركستاني كالسجناء، لا خيار لهم للحياة العادية حيث تتحكم فيهم بمجموعة السياسات والإجراءات التي تتمثل فيما يلي:
1. حشد السلطات الصينية الشعب التركستاني في مراكز التثقيف الأحمر، وإلى الاجتماعات والكورسات والدوريات على المبادئ الشيوعية، وإجبارهم على الورش العملية في تطبيقات الأيديولوجيات الماركسية وغيرها؛ فيحرمون الشعب من مزاولة عملهم الزراعي والتجاري ...إلخ.
2. محاصرة تحركات الشعب بتأسيس مراكز التفتيش في جميع الطرقات والمحطات والمعابر، حيث تقوم أجهزة الأمن والشرطة بتفتيش وتسجيل كل من يتنقل من حي إلى آخر وقرية إلى أخرى، ومنع أداء مواطن صلاته في غير بيته أو مسجد قريته، وحتى وزعت لكل مواطن بطاقة خاصة تبرز صلاحيته لأداء الصلاة ودخول المسجد.
3. تقنين الرقابة وتجربة التقنيات المراقبة لتعريف الوجه، وجهاز تحديد موقع المواطن؛ حيث تراقب السلطات أفعال الشعب، أين يتجه وأين يقف؟، والكاميرات موجودة في جميع الأماكن.
4. سياسة مراقبة سلوك الشعب من خلال الكشف اليومي والأسبوعي، فعلى حسب التقرير الذي أعدته منظمة هيومن رايتس ووتش: "فإن سلطات شينجيانغ تراقب عن كثب 36 فئة من السلوكيات، على سبيل المثال عدم التعاطف مع الجيران، وتجنب استخدام الباب الرئيسي أو الهاتف الذكي، والتبرع للمساجد "بحماسة" أو استخدام كميات "غير طبيعية" من الماء والكهرباء".
5. سياسة تآخي الصينيين من أعضاء الحزب الشيوعي بالأسرة المسلمة، ونُفذت هذه السياسة القمعية في الحقيقة؛ حيث إنهم ينامون على أسرّتهم المشتركة"، تحت مسميات "الأقارب الأسرية"، الذين يعرضون إلى مستضيفيهم أيضًا تلقين سياسي خلال زياراتهم. وذلك أنه في كثير من الأحيان يتم توفير الأسرّة الجديدة في منازل الأويغور لـ"أقارب" الهان الصينيين الرسميين الذين يأتون للعيش مع عائلات الأويغور في بيوتهم وتزويدهم بمعلومات عن حياتهم وآرائهم السياسية، كجزء من حملة "إرتق وتصبح عائلة" التي تم إطلاقها في تركستان الشرقية أواخر عام 2017.
ب. الإساءة لمقام نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم
في إطار السياسة الطائفية التي ينتهجها الحزب الحاكم الهندي تجاه الإسلام والمسلمين جاءت الإساءة لمقام النبي الكريم في التغريدة التي نشرها المتحدث باسم الحزب نافين جيندال على حسابه الرسمي على تويتر، وتساءل فيها عن سبب زواج النبي محمد من السيدة عائشة وهي لم تبلغ حينها عشر سنوات، وقد قوبلت هذه الإساءة بردة فعل قوية من مسلمي الهند ومن الدول الإسلامية والعربية، على الرغم من أن الحكومة الهندية وخصوصا وزارة الداخلية سلكت مسلكا عنيفا تجاه المتظاهرين المسلمين والصحفيين الذين يرصدون هذه الانتهاكات، إلا أن رد الفعل الإسلامي أجبر الحكومة الهندية على البدء في اتخاذ إجراءات تجاه المسيئين لمقام النبي الكريم وللشعائر الإسلامية.
ثانيا. الاستراتيجية:
أ. التعريف:
يعرف البعض معنى الاستراتيجية بأنها عقل العمل وهي في هذا المقام إنما تشكل بصيرة وعي وجدية سعي، ورغم أن مفهوم الاستراتيجية قد أطلق في بادئ أمره في المجال العسكري مشيرا إلى أسلوب التحرك العسكري المخطط بإحكام أثناء الحروب، بحيث يقدم البدائل ويختار أفضلها من حيث الوصول إلى الهدف بنجاح تام وبأقل خسائر ممكنة، ومن المهم كذلك أن نتعرف في معاني الاستراتيجية على المعنى الذي يؤكد على التخطيط المتكامل الذي يشتمل على الرؤية البصيرة الواعية كما يشتمل عن كل صنوف الحركة التي تتم في إطاره ويسمى ذلك التكتيك، هذه المعاني إنما تتعلق بالأساس بالإرادة والإدارة والقدرة على إدارة الإرادة وإرادة الإدارة، إنها عمليات تؤكد على معاني الاستمرار والشمول والقدرة والتخطيط واستيعاب التغيير وقدرات التغيير والإرادة والتسيير، وفي هذا الإطار فإن معنى الاستراتيجية في أهم معانيها هي تلك التي تشكل عقل العمل.
ب. السياق والمجال الحيوي:
تعتبر الأمة هي المجال الحيوي لإرساء قواعد المثالية الإسلامية وبلوغ القيم التي تشكل أهم مقاصدها، كما أنها تعبير عن قمة التجانس الإدراكي والعقيدي المتمثل في وحدة العقيدة وثبات مبادئها، والتأكيد على الجانب المعنوي والفكري، كما يشكل مفهوم الأمة في حد ذاته نظامًا قيميًا يحاول تبصر إشكال تصاعد القيم داخله، فالمفهوم يجمع في مكنوناته قيم "الوسطية" كحركة إيجابية فعالة، و"الأمة الوسط" ليست طرفًا منعزلاً، ولكنها وسط يتحرك بين العالمية، الوسط هنا معنى حضاري تتفاعل فيه عناصر الجغرافيا/المكان، عناصر التاريخ/الزمان، وعناصر الإنسان/ الجامعة، الوسطية هي حركة بالقيم ومنها، وهي تحريك لكل عناصر التوسط الجامع بين ثنائيات مفتعلة، ثنائيات تتراحم لا تتصارع، ثنائيات تتدافع لتحقيق الإعمار لا الهدم أو التخريب، حركة الأمة الوسط تعبير عن الجعل الإلهي بالصيرورة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:143]([2])، كما أن للأمة عناصر ومقومات منها:
المقوم الأول: جماعة يسودها الإيمان بالمقومات الأساسية للدين الإسلامي.
المقوم الثاني: هذه الجماعة تملك إدراكًا واحدًا في كل ما له صلة بالدعوة الإسلامية، ومن أهمها مبدأ الخضوع واحترام الشريعة الإسلامية كنظام متكامل للسلوك الفردي والجماعي.
المقوم الثالث: تربط جميع عناصر تلك الجماعة علاقة التضامن المطلقة.
المقوم الرابع: محور الوظيفة الحضارية لتلك الجماعة المتضامنة، وهو مفهوم الجهاد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان([3]).
لا شك أن استخلاص وبلورة السمات والخصائص الكيانية للأمة القطب يؤصل الصفة المركزية الجامعة وهي "الأمة الوسط"، ويؤصل لها مكونات وفاعليات وآثار ومآلات، الأمة الوسط هي الأمة المستخلفة في الأرض أي أنها (الأمة) وليست أمة بين الأمم، ومن هنا كان التوصيف لها بظاهرة "الأمة القطب"، وخلافًا للإيحاءات السلبية التي أحيانًا قد تصاحب مفهوم الوسط في السياق السياسي، فإن اللفظ يحمل مضمونًا يعكس كل معاني الإيجابية والخيرية والفعالية في منظور الرؤية الإسلامية.
1) من حيث كون الجماعة التي يعبر عنها بمحور جذب واستقطاب، ومن ثم فهي مصدر للتوازن والانسجام بين الجماعات البشرية.
2) أمة وسط من حيث الاعتدال في الرؤية والحركة واجتناب الإفراط والتفريط.
3) "وسط" من حيث موازين القيم والأنظمة التي تقوم عليها: يوازن بين القيم الفردية والجماعية، المسئوليات أي الواجبات والحقوق الاجتماعية.
4) فهي تشير إلى سياق دلالات الوسطية فهي خاصة بجغرافية الموقع من حيث أنه من الملفت للنظر حقًا - أن الحزام القاري الإسلامي يمثل امتدادًا استراتيجيًا إقليميًا وبشريًا متصلاً، يتوسط المعمورة حتى أن هناك من أطلق عليه اسم القارة الوسيطة([4]).
ومن هنا يجب علينا الاهتمام بقضية تركستان الشرقية باعتبارها موضوع مهم وأساسي من موضوعات الأمة الإسلامية، في ظل ما يتعرض له الأويغور كأقلية مسلمة من جانب الدولة الصينية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، على الرغم من أنهم الأغلبية المسلمة من القرن الثامن الميلادي حتى الآن، في وطنهم الأم _ "تركستان الشرقية"، وما يمتازون به من خصوصية لعبت دورا في حفظ هويتهم العرقية والدينية أمام السياسات الاستعمارية الممنهجة المتواصلة منذ سبعين عاماً، وما فيها من اضطهادات وقمع وإبادة جماعية، بالإضافة لحرب الفكر والأيديولوجية المسمومة التي تهدف طمس الهوية الأيغورية وتذويب ديموغرافياتهم وتغيير المناخ في وطنهم المستعمر "تركستان الشرقية".
إن تحديات الهوية الثقافية لمواطني تركستان الشرقية، وأوضاعهم الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، والسياسية تفرض علينا العمل برؤية فكرية ومنهجية علمية متميزة، تسهم في تقديم تصور متكامل للموضوع مشمولا بموقف مؤيد لمسلمي الأيغور وشارح لموقف الاستعمار الصيني الذي لا يكف في يوم من الأيام عن اختراع الآليات والوسائل التي تعمل على محاصرة الأيغور وانتهاك هويتهم وخصوصياتهم الثقافية والسياسية والاقتصادية.
من الأهمية بمكان أن يتم موضوعة قضية "تركستان الشرقية" ضمن الاهتمام بقضايا المسلمين في شتى بقاع العالم خاصة الذين تنتهك حقوقهم باعتبار أن ذلك مسألة مهمة في إعمال حقيقة الأمة في وجدان وضمير الشعوب بعد أن ظلت الأنظمة السياسية تتعامل مع تلك القضايا وفقا لمصالحها الآنية والأنانية، وهنا نتذكر إسهام أستاذنا المرحوم الدكتور حامد ربيع بتمييزه بين الوجود المادي للأمة والذي أصابه ما أصابه من سلبيات وانتهاكات وجرائم، وبين الوجود المعنوي لها في ظل تدفق مشاعر شعوبها في كل مكان، وعزمهم على النهوض بأحوالها ونيل كافة حقوقها، ومن ثم فإننا نرى أن هذه المساندة المعنوية عمل يفرضه مفهوم الأمة وهو أضعف الإيمان في هذا السبيل.
ج. التحديات والاحتياجات:
وفي هذا الإطار باتت الحاجة ماسة إلى عقل استراتيجي للأمة في التعامل مع مثل هذه القضايا وتحديد الاستراتيجية الفاعلة والكفؤة، وقبل الحديث عن الاستراتيجية لابد من التأكيد على عدة أمور تتمثل فيما يلي:
- تحتاج هذه الأمة إلى عقل استراتيجي يجمع بين الإرادة والإدارة، وفي هذا المقام يحسن أن نعود إلى هذا المربع الذي يشتمل على أركان مهمة تقدم في تفاعلها رؤية قادرة على التفكير والتدبير والتغيير والتأثير حتى يمكنها تحقيق ذلك، فعليها أن تتعرف على حجم الاشكالات وتبصر كافة التحديات، وكذلك عليها أن تتعرف على مساحة المتطلبات وقدرات الاستجابات، إلا أن الحاضنة المهمة التي تشكل سندا لهذا العقل الاستراتيجي، إنما يتعلق بالتيار الرئيسي للأمة الذي يحسن إدارة الصراع والقدرة التدافعية، وإدارة الأزمات وإدارة الفرصة مما يؤسس المعنى الذي يتعلق بساحات الحركة وإمكانات التغيير وأصول الفاعلية في هذا السياق، وجب علينا أن نشير إلى ما يحيط بهذه الأمة من مخاطر وما يتولد من جوفها من فرص.
- أن الأمة لها مكانها ولديها إمكانية، وقدرة هذه الأمة هي التي تحول الإمكانية إلى مُكنة، فعالم الإمكانية يجب أن يتحول إلى عالم مُكنة، وعلى الأمة أن تبحث عن عالم المكنون لديها، فمن مكانٍ وإمكانيةٍ ومُكنةٍ ومكنونٍ تأتي المكانة، والمكانة لابد أن ترتبط بعناصر غاية في الأهمية يمكن أن تحقق "عملية التمكين"، التمكين في المكان، والتمكين في الإنسان، والتمكين في الزمان.
- أنه لا يكفي العمل على المستوى الفكري بالدراسة والتحليل، وإنما يجب الاجتهاد في اقتراح الحلول والبدائل، وعدم انتظار الخارج ليفكر عنا، فالبداية يجب أن تكون من الداخل، وباستراتيجيات متعددة الأبعاد، فالأمة مكلفة، وهذه الأمة ليست النظم والحكومات، كما أن التربوي والاجتماعي هو من صميم السياسة الإصلاحية الشرعية التي يجب التدخل لدعمها لتجنب عواقب الصدمات المباشرة. وبالتالي لا يمكن التقليل بأي حال من الأحوال من الجهود المدنية والفردية، ولكن ما جدوى تعامل هذه الجهود مع أمور يجب التعامل معها من قبل هياكل عليا؟
- هناك منظومة من المقولات الاستراتيجية عندما نظل نقول: ما هو الآخر؟ من هو العدو؟ من هو الصديق؟ ما الميدان الذي ستعمل فيه؟ وما هي القوى والإمكانات؟ كل هذه المسائل تفرز جملة من المقولات الاستراتيجية تؤسس بدورها منظومة الفكر الاستراتيجي والوعي الاستراتيجي.
- من أخطر الأمور التي تتعلق بالتصورات الاستراتيجية أن تفعل أمورا ضد هذا البناء الاستراتيجي، وتقوم على تعويقه، فيصير ذلك أمرا مركبا، ليس فقط في غياب الاستراتيجيات، ولكن أيضا في إهدار الفرص والإمكانات واستثمار النجاحات.
د. الموارد والاستجابات:
لبناء هذه الاستراتيجية لابد من تحديد عشرة عناصر موجودة في المقاصد، تتمثل فيما يلي:
1. المقدمات والمقومات: المقاصد من أهم المداخل الجامعة التي تجعل من تكامل العلوم عملية أساسية، وتفيد أيضا في تصنيف علوم الأمة وعلوم العمران الحضاري، وقيامها بعمليات الحفظ للمجالات الخمسة.
2. منظومة العلاقات: تحتوي على ثلاث مفردات تشكل مداخل متكاملة وسياقات متساندة تتمثل في القيم السارية، والوسط الحاضن والسياق المحيط، وينشغل هذا المثلث بعمليات ثلاث هي عملية التأصيل، وعملية التفعيل، وعملية التشغيل، تتعلق بالنظم بين النظر والواقع والتنزيل.
3. المجالات وهي كما يقول الشاطبي: دين ونفس ونسل وعقل ومال، وهذه هي أركان العمران، فليس هناك حضارة بدون دين، وليس هناك دين إلا وأنبت حضارة.
4. تحديد الأولويات، هو جزء مهم، فالمسائل ليس على شاكلة واحدة، فالإنسان لابد له أن يحدد نظام أولوياته، فإذا لم يفعل ذلك يختل نظام حياته.
5. موازين وموازنات للأولويات، والموازين في نظام المقاصد ثلاثة: ميزان المصالح وميزان الضرر وميزان الضرورة.
6. وهناك أيضًا معنى مهم هو “الحفظ"، والحفظ مستويات: حفظ الحرص، وحفظ الاتباع وحفظ بقاء وحفظ أداء وحفظ بناء وحفظ نماء وحفظ انتهاء... ومستويات الحفظ تشير إلى أننا لا نتحرك في فضاء، وإنما نتحرك في واقع، حيث تواجهنا حادثات وتحديات.
7. وهناك أيضًا المناط، وهذا ليس مجال للخوض في معنى المناط: ولكن هو مجموعة من عمليات منهجية يجب على الجميع تعلمها من أجل إدراج الجزء في الكل.
8. الواقع: نعني به الحديث عن فكرة السياق الواقعي بما يشمله من عمليات مهمة تتمثل في فقه الحال الذي يحرك عناصر التعامل مع الواقع المعيش، وفقه المجال باعتباره الوسط المتشابك في إطار تصور التفاعل بين الداخل والخارج وتفاعل دوائر الواقع المختلفة، وفقد المآل الذي يحكم عمليات التفكير والتدبير والتخطيط لعناصر الفعل الحضاري، بما يشكل صورة الواقع الذي هو جملة من الأفعال الحضارية التي يترتب عليها آثار ونتائج.
9. الوسائل: بما تشمله من أدوات وآليات وأبنية ومؤسسات وقواعد وإجراءات، وتتجلى أهمية الوسائل من حيث الارتباط الشرعي والكوني بين المقاصد والوسائل، وحاجة الناس العامة إلى الوسائل، ومن الأهمية عدم الخلط بين المقاصد والوسائل؛ فبعض الناس قد يجعل المقصد وسيلة فيتساهل فيه، وآخر يجعل الوسيلة مقصدا فيتعصب لها، وميزان العدل والاستقامة يوجب وضع الأشياء في مقاماتها ومواضعها والتمييز بين حقائق الأشياء كما هي في الواقع.
10. ثم بعد ذلك لابد أن ندرس المستقبل، وهذا ما تحدث عنه الشاطبي عندما تحدث عن علم المآلات، وهو العلم الذي من خلاله ندرس أمورنا التي تتعلق بواقعنا ومستقبلنا وفعلنا وفاعليتنا وتفعيلنا ومؤسساتنا، ونرى مآلاتها في الواقع.
والمدخل المقاصدي لا يعمل إلا في إطار سبعة عناصر مهمة: عقيدة دافعة أي أن عقيدة لا تدفع هي ليست من الإسلام في شيء، وشريعة رافعة، وقيم حاكمة، وأمة جامعة، وحضارة فاعلة، وسنن قاضية، ومقاصد حاكمة؛ هذه السباعية تؤدي إلى بعضها البعض، وتؤدي إلى خلق أمة قوية، هذه هي المؤشرات التي يجب أن تتوافر للحديث عن استراتيجية لمواجهة قضايا الأمة ومن بينها قضية تركستان الشرقية.
خاتمة:
لا يسعنا في النهاية إلا أن نؤكد على أن استرداد المحفزات الأساسية لبناء تصور استراتيجي يعني أنه من الواجب أن نتفهم طبيعة السنن والشروط لبناء عقل استراتيجي يقوم ببناء أصول لاستراتيجية جديدة، تلك الشروط إنما تتعلق باسترداد أمور أساسية على طريق بناء الاستراتيجية؛
أولها: رد الاعتبار لمحورية قضايا الأمة في النطاق الشعبي والعلمائي، وكذلك في النطاق الرسمي.
ثانيها: يتعلق بحفز استراتيجية المقاومة باعتبار اعتماد نظرية الساقين، والتي تعتمد على ساق تتعلق بالعمل السياسي وأخرى تتعلق بالعمل المقاوم/ الذي يقوم على رؤى استراتيجية تتعلق باسترداد الحقوق بكل الطرق المتاحة والتي تضيف للقضية ولا تخصم منها.
ثالثها: استرداد حقيقة وجوهر دور الشعوب في تفعيل ما لديها من إمكانات، ومن ذلك المقاطعة الاقتصادية.
رابعها: ضرورة حسم القضية الأساسية التي تتعلق بتحديد العدو وعمليات عدوانه، وتوظيف علاقاته مع الدول العربية للحفاظ على أدنى مستوى من مستويات الاهتمام بهذه القضية في عالمنا العربي والإسلامي.
[2] ـ في إطار الارتباط بين التوحيد والأمة انظر: سيف الدين عبد الفتاح، التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر: رؤية إسلامية، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، ومكتبة النهضة المصرية، 1989، ص 446.
[3] ـ انظر ما يتيحه مفهوم الأمة من معان في: سيف الدين عبد الفتاح، الجانب السياسي لمفهوم الاختيار، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1983، ص 216- 222، انظر أيضًا د. أحمد حسن فرحات، الأمة في دلالتها العربية والقرآنية، عمان: دار عمار للنشر والتوزيع، 1983، ص 9 وما بعدها.
[4] ـ وفي مفهوم الأمة والقومية انظر: د. منظور الدين أحمد، النظريات السياسية الإسلامية في العصر الحديث: النظرية والتطبيق، نقله إلى العربية: د. عبد الجواد خلف، د. عبد المعطي أمين قلعجي، سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية كراتشي –باكستان، مصر (المنصورة)، دار الوفاء، 1988، ص 61 وما بعدها، قارن رؤية تشير إلى بعض أفكار الشيعة في هذا المقام، أحمد عنايت، الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، ترجمة عن الفارسية: د. إبراهيم الدسوقي شتا، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1989، ص 230- 22.
المصدر:
https://www.youtube.com/watch?v=0_tVdYdq_NU