خطر الصين على العالم الإسلامي
خطر الصين على العالم الإسلامي
عزالدين الورداني
في العام 751م الموافق للعام 134هـ وقعت معركة تالاس والتي لقى فيها الصينيون هزيمة مدوية على يد التحالف الإسلامي التركى، وقد عدت تلك المعركة واحدة من أكثر المعارك تأثيرا في تاريخ العالم، إذ أنها حسمت إلى أي الحضارتين ستنتمى معظم مناطق آسيا الداخلية، حيث انتشر الإسلام بها وتقوقعت الحضارة الصينية وخطرها خلف سورها العظيم لما يزيد عن ألف عام.
إلا أن الأنظمة الحاكمة فى الصين كانت ولاتزال دائمة التطلع للتمدد الجغرافى والاقتصادي والسياسى في أي فراغ للقوة يبدو لها، فضلا عن احتلالها لتركستان الشرقية عام 1949م. تسعى الصين للسيطرة السياسية والاقتصادية وتوسيع دائرة نفوذها على مختلف دول العالم الإسلامي بل والعالم ودول الجوار بالأخص.
عبر آليات متعددة تسعى الصين بدأب لممارسة النفوذ على العالم الإسلامي؛ ويعنى النفوذ: التأثير الذى يمارسه طرف على آخر لتحقيق هدف معين رغما عن قناعاته أو دون معرفة وفهم، أو دفعه للصمت على ممارساته، وهو محصلة لعدد كبير من عوامل القوة المادية وغير المادية؛ ويستطيع الطرف صاحب النفوذ السيطرة بدرجات متفاوتة على عقول وأفعال الشعوب ورجال الأعمال والنخب السياسية لدى الطرف الآخر، مما يدفعهم لوضع أجندته الاقتصادية والسياسية كأولوية يتبناها أو يعبر عنها هؤلاء ولا يستطيعون انتقادها أو تقديم البديل.
هذه السيطرة تتم عبر استخدام أحد أنماط القوة مثل :-
القوة الصلبة عسكرية أو اقتصادية وهو ما يتضح في علاقات الصين غير المتكافئة مع مجموعة شنغهاى للتعاون الدولى والتي تضم حاليا تسع دول ست منها إسلامية، وتشكل دول وسط آسيا الإسلامية المجاورة للصين العنصر الهام والمستهدف للصين في المجموعة التي يعد التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية من أهم أولوياتها، ومن المعلوم مدى التفوق العسكرى والاقتصادي للصين في مواجهة تلك الدول المرتبطة ارتباطا وثيقا بالصين، وتتشابك العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين وتلك الدول المصدرة للطاقة والناقلة لها عبر أنابيب النفط والغاز التي تقطع تلك البلدان متجهة إلى الصين عبر تركستان الشرقية.
وأنوه عن أفغانستان وتحفز الصين حاليا للتمدد فى فراغ القوة الذى خلفه الانسحاب الأمريكي منها واستغلال ثروات المعادن النادرة بها، وأيضا مطاردة الأويغور فحيثما حلت الصين حل الاضطهاد بالأويغور وسائر التركستانيين.
وتعد مبادرة الحزام والطريق إحدى آليات الصين الهامة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والتجارية وتعظيم نفوذها الاقتصادى والسياسى في العالم، بل ونقل الهيمنة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين دون حرب أو صراع، يشارك في المبادرة أكثر من سبعين دولة تضم نحو 60% من سكان العالم، 40% من التجارة الدولية،35% من اقتصاد العالم؛ وتشارك الكثير من دول العالم الإسلامي في المبادرة؛ تهتم المبادرة بإنشاء البنى التحتية من طرق وموانىء ومطارات ومناطق صناعية وتجارية، وفى كثير من الأحيان لا يتناسب حجم وضخامة البنى التحتية المنفذة في العديد من الدول مع اقتصاد الدولة المحلى ولا إمكاناتها الاقتصادية مما يؤشر على أبعاد استراتيجية اقتصادية وعسكرية لدى الصين في سعيها لتكون القوة العظمى الأولى في العالم. تمول الصين دول المبادرة بالقروض التي تقدم بضمانات مثل الحقوق في الموانىء والمطارات والمناجم وغيرها، وتثقل تلك القروض اقتصاديات بعض الدول فتعجز عن سدادها لعدم تحقيق عائد سريع ومباشر من تلك البنى مما يجبر الدول المتعثرة على تأجيرها لسداد ديونها المتعثرة فيما يعرف بفخ الديون الصينى، حدث ذلك في سرى لانكا المنهارة اقتصاديا الآن، وفى اليونان وغيرها، كما يعانى اقتصاد باكستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وجزر المالديف ومدغشقر وكذلك العديد من الدول المشاركة في المبادرة من مصاعب خطيرة، وقد اضطرت بعض الدول كماليزيا لتعليق مشروعات بالمبادرة وإعادة التفاوض حول تكاليفها مدركة مدى الاستغلال الصينى للمشاركين فى مشروعات المبادرة. وقد أشار الزعيم الماليزى الراحل مهاتير محمد إلى مخاطر تلك المبادرة قائلا " لا نريد نسخة جديدة من الاستعمار". وأنوه عن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتى على مدخل مضيق باب المندب والتي افتتحت في 1/8/2017م في إطار ما يعرف بعقد اللآلىء الصينى.
تستخدم الصين أيضا القوة الناعمة المتمثلة في الثقافة والإيديولوجيا والتقدم العلمى وغيرها لتحقيق النفوذ في العالم الإسلامي، ورغم أن الصين تعانى من ضعف واضح في مجال القوة الناعمة، إذ لم تعد الشيوعية جاذبة لأحد، كما أن عناصر ومكونات الثقافة الصينية عصية على الاستيعاب والتناول من حيث صعوبة اللغة الصينية وغرابة العادات والتقاليد وغير ذلك، ويمكن القول أن الصين لا تمتلك مشروعا حضاريا حقيقيا مقنعا، إلا أنها تحاول التغلب على ذلك وتفعيل العديد من أدوات القوة الناعمة كالمساعدات والمنح التنموية، ونشر المراكز الثقافية الصينية وبرامج تعليم اللغة الصينية، والمنح الدراسية، والإعلام المرئى والمقروء الموجه بلغات متعددة، وإقامة المهرجانات الشعبية، وإنشاء منتديات التعاون في مختلف المجالات مع العالم الإسلامي، وللأسف فإنه في ظل حالة الارتباك وتشوش الوعى بالذات والانبهار بالصين المتقدمة تلقى تلك الوسائل القبول لدى بعض النخب والشباب.
ويمكن للقوة الناعمة والتي ليست دائما أخلاقية أن تبرز في التنويه واستعراض القدرات العلمية والعسكرية والاقتصادية، وأيضا عمليات الابتزاز والرشوة وهى أساليب تبرع فيها الصين.
كما أن الأقليات الصينية الكبيرة في بعض الدول الإسلامية كماليزيا واندونيسيا تشكل أحد عوامل الخطر الصينى الكامن بما تمتلكه تلك الأقليات من قوة اقتصادية ودعم واضح من الصين.
ومن أهم مخاطر الصين رؤيتها النرجسية المتصلبة لذاتها ولإيديولوجيتها حيث تراها النموذج المتكامل المحتوم اتباعة طوعا أو إكراها حيث يقول ماو " سيتحتم عليهم أن يمروا بمرحلة الإجبار قبل أن يدخلوا مرحلة إعادة صياغتهم بمحض إرادتهم "، وفى منحى خطير تحاول الصين تحريف الإسلام وتقديم ما تسمية " إسلام ذو ملامح صينية " ## وقد أعلن الرئيس " شى" ذلك في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى 10/2017م قائلا :" علينا التطبيق الكامل لسياسة الحزب حول الشؤون الدينية، والتمسك باتجاه تصيين الأديان في بلادنا، والمبادرة إلى إرشاد الأديان للتكيف مع المجتمع الاشتراكى" ، كما قال الرئيس الصينى شى جين بينغ في المؤتمر الوطنى للأعمال الدينية في ديسمبر 2021م موجها " بتطوير الأديان في إطار السياق الصينى" أي تعديل الإسلام ليتوافق مع الشيوعية الصينية وهو المسعى الذى يحاول طمس الهوية الدينية للملايين من المسلمين الأتراك والهوى في الصين وقد تمتد آثار ذلك التشويه لخارج الصين في ظل حالة التردى التي تعيشها الأمة الإسلامية على مختلف الأصعدة.
كما أن مصطلح الإرهاب – والملصق بالمسلمين بالأخص – هو المبرر الأكثر شيوعا - حاليا - في الصراعات الداخلية أو الدولية ذات الأبعاد الدينية والثقافية والعرقية بل ولتحقيق المصالح والهيمنة؛ ويعد أحد مداخل الصين لتبرير قمع التركستانيين، والتأثير على قادة العالم الإسلامي ودفعهم للموافقة أو الصمت على سياسات الصين العنيفة بل الإرهابية ضد مسلمى تركستان والحد من التعاطف مع قضيتهم.
وتطرح الصين نفسها كنموذج تنموى ناجح في ظل حكم ديكتاتورى شيوعى قمعى مما يعزز من قبول الاتجاهات السلطوية وانتهاكات حقوق الإنسان ويمنح الصين الفرصة لإعادة صياغة النظام العالمى ليصبح سلطويا في جوهره ويتسامح مع الممارسات الاستبدادية، ومن ثم يقدم المبرر لأنظمة الحكم في العالم الإسلامي لاعتماد النهج الاستبداى في مجال الحكم والحريات بصفة عامة.
في ظل ما سبق عرضه يمكن القول بأن الخطر الصينى على العالم الإسلامي قائم وهناك مؤشرات واضحة على تنامى العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتنامى النفوذ الصينى على سياسات العالم الإسلامي واستقلالية قراره، ويبرهن على ذلك فيما يخص قضية تركستان الشرقية وقوف العديد من الدول الإسلامية إلى جانب الصين ورفض إدانتها في المحافل الدولية، حدث ذلك على سبيل المثال في الدورة 41 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي أدانت انتهاكات الصين لحقوق الإنسان ومعسكرات الاعتقال الجماعى للأويغور، كما قامت العديد من الدول الإسلامية بطرد الطلاب الأويغور واعتقال وتسليم البعض منهم للصين.
وكذلك الموقف المتهاون بشدة لمنظمة التعاون الإسلامي إزاء الموقف الحالي في تركستان وسابقا موقفها المتخاذل عقب أحداث 5/7/2009م إذ أقصى ما فعلته المنظمة - وكان اسمها في ذلك الوقت المؤتمر الإسلامي – وعقب زيارة وصفت بالتاريخية لا أدرى لماذا.؟!! لأمينها العام ووفد من المنظمة، أصدرت المنظمة بيانا صحفيا مشتركا – هزيلا - مع حكومة الصين أقرب إلى الغزل السياسى منه إلى موقف فعال يمكن أن يترجم إلى قرارات تطبق على أرض الواقع لإيقاف الانتهاكات الإنسانية الخطيرة لحقوق مسلمى تركستان الشرقية؛ وبذلك أضاعت المنظمة التي تمثل نحو مليار وستمائة مليون مسلم فرصة مواتية للحد من الانتهاكات الصينية ودعم موقف الإخوة الأويغور وغيرهم من المسلمين في المنطقة وفى عموم الصين. ثم صمتت المنظمة دهرا ونطقت مداهنة للصين حيث " أشادت بجهود جمهورية الصين الشعبية في رعاية المسلمين الصينيين وتطلعت إلى المزيد من التعاون بين المنظمة وجمهورية الصين الشعبية " وذلك في القرار رقم 1/46 بشأن حماية حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء بالمنظمة فقرة رقم (20) والصادر عن الدورة 46 لمجلس وزراء خارجية المنظمة المنعقدة في أبوظبى في الفترة من 1-2/ 3/ 2019م. كما حضر وزير خارجية الصين – دون صفة – اجتماعات الدورة الثامنة والأربعين لمجلس وزراء الخارجية والتي عقدت في باكستان 22- 23/3/2022م والتي لم تسفر عن شيء نافع حيث أشادت بالتقدم المحرز بينها وبين الصين وتطلعت إلى المزيد من التعاون معها، وذلك في البند 46 من قرارات شؤون الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء بالمنظمة، كما لم يذكر إعلان إسلام أباد شيئا عن مأساة شعب تركستان بينما أكد على أهمية ضمان عدم استخدام أراضى أفغانستان كمنصة أو ملاذ آمن من جانب أي جماعة إرهابية ولا سيما القاعدة وداعش والجماعات التابعة لهما، والحركة الإسلامية لتركستان الشرقية. لقد أدركت الصين مدى نفوذها ومدى ضعف ردود الفعل الصادرة من العالم الإسلامى فزادت وتيرة الاضطهاد في تركستان حتى وصلت إلى هذا الحد المؤلم الذى يعيشه شعب تركستان الشرقية.
إن البعد الغائب في السياسة الخارجية لدول العالم الإسلامي هو الإسلام وأعنى حضوره كعقيدة مرشدة ومحركة أعنى أن نستحضر قول الله تعالى " لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير" . وقوله " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " . وقوله " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ". وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ( واعلم أن الله يكون لك بقدر ما تكون لعباده ). وبالتأكيد سيكون الله عليكم بقدر ما تكونون على عباده أو تخذلونهم.
وأخيرا خالص تقديرى وتحياتى ودعواتى لشعب تركستان الشرقية بتجاوز المحنة، وتحياتى للسادة الحضور. نسأل الله تعالى التوفيق والقبول وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلانية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال الدكتور عزالدين الورداني
متخصص في شئون آسيا الوسطى
في المؤتمرالعالمي لنصرة قضية تركستان الشرقية 10-12 يونيو2022 المنعقد في إسطنبول