دلالات زيارة رئيس الصين "السرية" لتركستان الشرقية
دلالات زيارة رئيس الصين "السرية" لتركستان الشرقية
عبد الوارث عبد الخالق
دلالات زيارة رئيس الصين "السرية" لتركستان الشرقية وما خفي فيها؛ أعظم من ذاكرة التاريخ، فلم يكن من عادات رؤساء الصين زيارة تركستان الشرقية أو ما يطلق عليه بعد الاحتلال "إقليم شينجيانغ" إلا نادرا. ولقد كان دنغ شياو بينغ أول رئيس صيني يزور تركستان الشرقية، وذلك في 13 أغسطس/آب عام 1981، أي بعد 32 عاما من الاحتلال، وتكررت زيارته للمنطقة مرة أخرى بعد أشهر قليلة في ديسمبر/كانون الأول عام 1981.
وتوالت زيارات رؤساء الصين إلى تركستان الشرقية لمتابعة تنفيذ مخططهم في المنطقة، حيث زار الرئيس الصيني جيانغ زمين في الفترة من 22 أغسطس/آب إلى الأول من سبتمبر/أيلول 1990، وأيضا في عام 1998.
وكان خوجينتا الرئيس الثالث الذي زار تركستان الشرقية، وذلك في الفترة من السادس إلى 11 سبتمبر/أيلول 2006، وتكررت الزيارة في الفترة من 22 أغسطس/آب إلى 25 أغسطس/آب 2009، وذلك بعد وقت قصير من مذبحة أورومجي التي وقعت في الفترة ما بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2009. وذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين.
اختلف الرؤساء والزيارات والهدف واحد
والرئيس الأخير الذي زار تركستان الشرقية هو رئيس الصين الحالي شي جين بينغ، حيث زار تركستان الشرقية مرتين، وكانت زيارته الأولى في عام 2014، ويعد هذا التاريخ هو بداية تطبيق السياسات القمعية ضد الشعب التركستاني.
وتعددت وسائل وأشكال القمع في تركستان الشرقية؛ فهناك المعسكرات النازية وهدم المساجد وتصيين الدين وتجريد الشعب من دينه وهويته وثقافته، وما زالت هذه السياسات مستمرة من دون هوادة أو رحمة.
وفي 12 يوليو/تموز 2022، وبعد 8 سنوات من القمع، زار الرئيس الصيني الحالي تركستان الشرقية زيارة سرية ليتابع فيها تنفيذ سياساته في المنطقة، وأكد في هذه الزيارة كنظرائه السابقين على وحدة الوطن وأن "تركستان الشرقية" جزء من الصين، وكذلك أكد على وحدة الشعب ووحدة الثقافة، وتحدث عن الأمن ومحاربة الإرهاب والاقتصاد في البلاد، وعن أمور أخرى.
وجاءت الزيارة سريةً كما حدث في عام 2014، حيث لم تنشر تفاصيلها إلا بعد عودته بيومين، وفي الجمعة 14 يوليو/تموز عام 2022، بثت وسائل الإعلام الحكومية بثا استغرق نحو نصف دقيقة، وكان لقطات منقولة عن التلفزيون المركزي الصيني يظهر فيها الرئيس "شي" خلال زيارة إلى مكاتب حكومية ومتحف وفصول دراسية وأماكن تجارية في العاصمة أورومتشي، عاصمة تركستان الشرقية.
وكان في استقباله موسيقيون وراقصون يرتدون الزي التقليدي لمسلمي الإيغور، وحدث هذا بالطبع بعد ترتيب مسبق لاستقباله في أماكن محددة، وفي ذلك دلالة على عدم الثقة والخوف لدى الاحتلال من زيارة تركستان الشرقية بالرغم من القمع والقتل الممارس في البلاد.
جذور المشكلة في المنطقة لم يتم حلها بعد
لقد أعلنت السلطات الصينية مرارا أنها تحارب الإرهاب وأن الوضع مستقر ولا توجد مشاكل أمنية في تركستان الشرقية؛ فإن صحت روايتها، فما الذي يخشاه "شي جين بينغ" من علنية الزيارة؟
إن جذور المشكلة في المنطقة لم يتم حلها بعد، فالاحتلال لم ينته، والقمع ما زال مستمرا، والمعسكرات النازية مستمرة، ويدرك "شي" جيدا أن الاستقرار الذي نشأ في المنطقة ليس طبيعيا، بل هو استقرار مصطنع.
ولعل هذا الوضع هو الذي أجبر رئيس الصين على الزيارة غير المعلنة لتركستان الشرقية؛ فالقاتل مهما كان سلاحه قويا ومتطورا يعرف حجم ووحشية جريمته، لذلك لا يمكن أن يتحرر من الشعور بالذنب.
لقد فرضت سرية الزيارة عددا من التساؤلات والاحتمالات؛ ومنها ماذا يريد الرئيس الصيني من هذه الزيارة؟
وتندرج في الإجابة عن هذا السؤال عدة احتمالات لأسباب زيارته لتركستان الشرقية:
- رسالة إلى منافسيه في الداخل، حيث في هذا الوقت بالذات تأتي زيارته قبل مؤتمر الحزب الشيوعي في الخريف، والذي يُفترض أن يبقى على إثره على رأس الحزب.
- يتحدث تقرير نشرته وسائل الإعلام حول رحلة "شي" إلى منطقة تركستان الشرقية، ويقول إن غرض الرئيس الصيني من الزيارة هو الاطلاع على مستجدات العمل الجاري لدعم المواهب العاملة في تركستان الشرقية (شينجيانغ)، وتعزيز جهود مكافحة فيروس كورونا، وتمكين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوية وحدة الأمة الصينية.
- محاولة لطمس سياسة الصين القمعية في تركستان الشرقية، حيث تنفي حكومة الصين اضطهادها للأقليات العرقية، وتدفع الاتهامات الغربية بالقول إن سياستها في شينجيانغ شأن داخلي.
- أو ربما تريد السلطات الصينية إيصال رسالة إلى الخارج، حيث إن هناك أكثر من 10 دول أوربية -على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وكندا- وصفت ما يحدث في تركستان الشرقية بأعمال إبادة جماعية، وهو ما أقره برلمان هذه الدول، وبالإضافة إلى مقاطعة لبعض الشركات الصينية المتورطة في مراقبة مسلمي الإيغور أو استغلالهم بأي طريقة كانت. وعلى الرغم من هذا؛ لم تتراجع الصين عن هذا الظلم بل زادت من الاضطهاد والظلم، لذلك قد تكون الزيارة رسالة إلى الخارج على أنها مستمرة في سياستها القمعية في تركستان الشرقية، وأنها لا تهتم ولا تأخذ برأي المجتمع الدولي، مما يعطي مجددا الضوء الأخضر للجنود الصينيين وشرطة الاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم.
من الصعب بقاء "شي" في السلطة خلال المرحلة القادمة
وأخيرا ما يشير إليه محتوى الرسالة الإعلامية في الوسائل الرسمية الصينية ينذر بوجود انقسامات داخل الحزب الحاكم أو داخل السلطة في الحزب، حيث اكتفت وسائل الإعلام الصينية الرسمية بمن سُمي الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فقط بدون ذكر رئيس الصين، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للدولة، وفي ذلك دلالة على أن هناك انقسامات في الحزب قد تجعل من الصعب بقاء "شي" في السلطة خلال المرحلة القادمة.
وختاما؛ بطريقة غير مباشرة أكد "شي" على أنه هو المسؤول الأول والأخير عما يحدث في تركستان الشرقية من جرائم إبادة جماعية، وذلك من خلال تأكيده في الزيارة الأخيرة على أنه من الضروري التطبيق الحازم لقرارات وترتيبات اللجنة المركزية للحزب، والتنفيذ الكامل والدقيق لسياسات الحزب الشيوعي الصيني والتمسك على نحو وثيق بالهدف العام.